بسم الله الرحمن الرحيم
السنة النبوية بين التشريع والتوجية
س
حينما يثور الجدل هل كل الأحاديث الصحيحة تمثل سنة تشريعية أم أن بعضها تشريع والآخر لا تشريع فيه؟ أتصور هنا أن الخلاف بين الفريقين خلاف لفظى لا حقيقى، وقد ساعد على دوام الجدل وعدم حسمه ذلك التداخل بين العلم والثقافة، أو بين الفقه والدعوة، وإن شئت قل بين المنهجية وعدمها، وأزعم أن الخلاف لفظى لأن لفظ التشريع الإسلامى لم ينل حقه من العناية كمصطلح من الضبط مثلما نال مصطلح السنة النبوية حيث يضم القاموس الإسلامى ثلاثة تعريفات مختلفة لمصطلح السنة النبوية، فعند علماء أصول الفقه يعنى مصطلح السنة: النص الذى يعتبر مصدرا يستقى منه الأحكام.
أما علماء الحديث فيقصدون بالسنة كل قول أو فعل أو تقرير نسب إلى الرسول (صلى الله عليه وسلم) أما الفقهاء فإذا وصفوا فعلا أو قولا بأنه سنة فيقصدون أن الموضوع ليس مفروضا ولا واجبا، بل هو درجة أدنى من الفرض والمسلم مخير فيه، بين الأداء وعدمه، مثل النوافل المرافقة للصلوات المفروضة، وغيرها.
فمصطلح السنة أصلا عبارة عن ثلاثة مصطلحات لكل منها مدلول خاص، وهذا مما توافق عليه الجمهور، لكن لفظ ومصطلح التشريع لم ينل مثل هذه العناية فى القاموس الاسلامى مما فتح الطريق واسعا للجدل فضلا عن دوامه واستمراره كما لو كان إشكالية ثابتة فى الفقه لا تجد حلا!!... والحقيقة غير هذا.
فمصطلح التشريع مصطلح قرآنى رئيسى فى الفقه والثقافة الإسلامية وهو بحاجة إلى ضبط أكثر مما هو عليه، فلفظ الشريعة والتشريع لفظ عربى أصيل عرفه العرب معرفة مشهورة قبل أن يتنزل القرآن وبعيدا عن الدين، فإن لفظ الشريعة يعنى مصدر الماء الصالح لشرب الإنسان والحيوان والنبات، كما أن لفظ التشريع يعنى لغويا: عملية إمداد المخلوقات بالماء اللازم لحياتها، فلما جاء القرآن الكريم باللغة العربية استعمل ألفاظها وانتقى المصطلحات الدينية من ألفاظ معروفة ومفهومة عند العرب، فاذا قال القرآن: (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ...) (13 الشورى )كان المقصود إعلام الناس أن أحكام الدين وضوابطه ضرورة للناس مثل ضرورة الماء، فكما يهلك الناس والأنعام والنبات لغياب الماء فإن هلاك الناس محقق إذا غاب الدين، فالشريعة فى اللغة مصدر المياه، والشريعة فى الفقه مصدر الحق وسلامة الحياة. فإن كان لا حياة ولا صحة ولا نمو بغير مياه فأيضا لا حياة ولا عيش ولا استقرار بغير شريعة ولا تشريع.
وقد أكد القرآن أن التشريع فى أصوله أوامره ونواهيه حق خالص لله شرع لكم من الدين.. كذلك أنكر القرآن على جميع الخلق حق التشريع الدينى (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ) (21 الشورى) فالتشريع حق خالص لله ولا بد من إذنه سبحانه فى أى محاولة للاقتراب من التشريع ووقف التشريع على الله، وضرورة الإذن الالهى فيه أبرز قواعد الاعتقاد الإسلامى مما لا نزاع فيه، ولا شك أن الله سبحانه قد أذن لرسول (صلى الله عليه وسلم) فى تفعيل التشريع وبيانه قولا وعملا، وهذا هو البلاغ المبين أى بلاغ نص الوحى وبيان كيفية تطبيقه وجميع المسلمين يقرون أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قد بلغ الرسالة، وأدى الأمانة كأحسن ما يكون، فالتشريع الاسلامى «وحى الهى وبيان نبوى» لا يمكن الفصل بينهما ما فى ذلك شك، ولكن هل اقتصرت حياة رسول الله على البلاغ المبين فحسب؟
نجيب علي هذا التساؤل في المقالة القادمة ان شاء الله تعالي , وآخر دعوانا الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي خاتم المرسلين وعلي اشرف الخلق اجمعين وعلي آلة وصحبة الي يوم الدين